البداية ...
في أحد أيّام شتاء عام 2001م، سألني صديقي الوحيد آنذاك سؤالًا غريبًا لم أكن أتوقّعه، وكان في عينيه بريق يخبرني أنّ للسؤال جوابًا غير الذي أعرفه. ظننته في البداية سؤالًا بلا معنى فهو في العقيدة من المُسلّمات، لكنّه كان بمثابة الرجَّة القويّة التي أفاقتني من سُبات. إنّها سنتي الخامسة في كليّة الطب بالعاصمة الرباط، وهي سنة سأظل أتذكّرها ما بقي في العمر من سنوات.
-
لماذا نعتقد بأنّ سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام هو آخر المرسلين من عند الله؟
-
أجبته على الفور: لأنّه مذكور في القرآن طبعًا.
-
وهل مذكور في القرآن "خاتِم المرسلين" هكذا بالحرف؟
-
أجل!
-
أنا لست مُلمًّا بالقرآن الكريم مثلك، ولكن أظنّ أنّ المذكور هو خاتم النبيّين وليس خاتم المرسلين! ويمكنك التأكّد بنفسك.
-
لكنّني متأكد مما أعرف!
-
فهل يمكنك أن تُطلعني على الآية بالضبط؟!
لم أرغب في مواصلة النقاش معه، والدفع بأنّ خاتم النبيّين تفيد ضمنيًّا خاتم المرسلين، لأنّي كنت على يقين بأنّ الموضوع مذكور في القرآن بشكل واضح لا لُبس فيه، لكنّي وبشكل غريب لم أستطع استحضار الآية في ذاك الحين. ولذلك رُحت في اليوم نفسه أبحث عن الآية المذكورة أو لربّما أكثر من آية. وأخذت أتصفّح المصحف بين يدي، صفحة بصفحة، فلم يكن لديّ من تطبيق يساعدني في البحث. لكن، عبثًا حاولت! فلم أعثر على أيّ موضع من القرآن ذُكر فيه بأنّ محمّدًا عليه الصلاة والسلام هو آخر المرسلين. وتبيّن لي على الفور أنّ سبب يقيني المسبق، رغم قراءتي المتكرّرة للقرآن الكريم، هو أنّ هذه العبارة صارت تتكرّر على مسامعنا منذ الصغر في كلّ صلاة جمعة وعند كلّ دعاء: "... على سيّدنا محمّد خاتم النبيّين والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما"، حتى اعتقدنا أنّها جاءت في القرآن على هذا النحو بالذات. وقلت في نفسي حينها: تخيّل أنّ سيّدنا محمّدًا ليس آخر الرّسل كما نعتقد، وأنّ هنالك ما هو قادم!
هكذا انطلقت رحلتي في البحث عن الحقيقة بمجرّد اكتشافي أنّ جزءًا مُهمًّا من معتقداتي هو ناتج عن ترديد نفس الكلام دون اطّلاع أو دراسة. وقد كنت حينها في مرحلة فارقة من رحلة البحث عن الذات. مرحلة تمرُّ فيها أيّام الدّراسة تباعًا، وتمرُّ معها الأفكار والتخيُّلات، وتتغيّر الاهتمامات والانشغالات.
وكأنّ الصُّدَفَ لا تأتي فُرادى، فقد عثرت في السنة نفسها على كتاب منسيّ في مكتبة والدي عنوانه "الحقيقة الغائبة" لكاتب معروف اسمه فرج فودة، كنت أجهله حينها. ومنذ اللحظة الأولى التي بدأت أطوي فيها صفحات الكتاب، أحسست أنني أدخل عالمًا مجهولًا ولم أعد أدري كيف سيكون المآل. لم أترك ذلك الكتاب الصغير من يدي حتى وقد نفذت صفحاته، وكأنّي أكمل كتابة ما لم يدركه صاحب الكتاب، فالطريق أصبح مُعبَّدًا لمن يريد الذهاب.
لقد كان لهذا الكتاب، على صغره، كبير الأثر على اعتقاداتي وما ترسّخ في ذهني وأفكاري من معلومات تاريخيّة ودينيّة موروثة. كلّ ما كان فيه من علم مَخفيّ وحقائق مستورة دفعني دفعًا نحو البحث والتحرّي. فبدأت أبحث بنفسي عن الحقيقة الغائبة بين ثنايا كتب التاريخ والدِّين. كنت أبحث عنها كمن يبحث عن كنز دفين، ولم أظنّ يومًا أنّها بجواري ترافقني منذ سنين.
أظنُّ أنّ كل شيء في حياتي تغيَّر منذ اللحظة الأولى التي بدأت أتساءل فيها عن الحقيقة. فقد انتقلت فجأة من حالة سكون تتغذى على التسليم واللامُبالاة إلى حالة ارتياب وغليان تجعل من كلّ مُعطى أو معلومة محطّ شكّ وتساؤل، وموضوع بحث واستكشاف. فما هي حقيقة الأشياء التي نعرفها؟ أو بالأحرى ما الذي نعرفه عن الحقيقة؟!
إنَّ سؤال "الحقيقة" يُعدُّ بلا شكّ من المواضيع الفلسفيّة الأكثر غموضًا وجدليّة، وإحدى الإشكالات الكبرى في مجال نظريّة المعرفة. فعادةً ما نطلق لفظ الحقيقة على مطابقة موضوع ما لتمثّلنا، وفي هذه الحالة فإنّنا نفترض وجود موضوع ينبغي أن يتطابق مع تمثّلنا له [1]. لذا فإنّ الحقيقة قد يراد بها الصدق في تعارضه مع الكذب، وقد يراد بها الحقّ في تعارضه مع الزّيف، كما تدلّ على الواقع في تعارضه مع الوهم، وعلى العلم في تعارضه مع الخرافة. أمّا إشكال الحقيقة فيكمن غالبًا في نوعيّة المعرفة المرتبطة بها وفي مصدرها كذلك. فالمعرفة العلميّة مثلًا تستمدّ حقيقتها من العقل باعتماد البحث والتجربة والملاحظة، لكن المعرفة الدينيّة على عكسها لا تعتمد على وسائل الإثبات الملموسة وتستمدّ قوّتها من الإيمان والاعتقاد بأحقّيّة الشيء دون دليل حسّي لأنّ مصدرها إلهي. وبصفة عامّة، يبقى القاسم المشترك بين أنواع المعرفة نسبيّتها في الزمان والمكان.
والقول بنسبيّة المعرفة يتوجّه بالأساس إلى المعارف الإنسانيّة والدينيّة، إذ يدعو إلى التمرّد على القوانين والضوابط المعرفيّة والمنطقيّة الّتي وُضعت لضبط الحركة الفكريّة للإنسان، ليصبح كلّ إنسانٍ قادرًا على إعطاء وجهة نظره في هذه العلوم. وأمّا العلوم الرياضيّة والطبيعيّة فالكلّ يعترف أنّ لها موازين موضوعيّةً صارمةً لا تخضع لوجهات النظر المختلفة، وليست هي مدار بحثٍ إلّا من قِبل المتخصّصين فيها، ولا تُحترم فيها أيّ وجهة نظرٍ من دون دليلٍ مُحكمٍ طِبقًا لتلك الضوابط. لكن هنا أيضًا تصبح هذه النسبيّة جليّة حين يتعلّق الأمر بمسائل غير محسوسة مثل معرفة الكون اللامتناهي وماهيّة وجودنا فيه، ومن ثَم رغبتنا في اكتشاف الأشياء الواقعة خارج مجال إدراكنا الحسّي. وهذه أمورٌ يصعُب معها الوصول إلى حقيقة مطلقة، فأيّ معرفة مرتبطة بها تقع إمّا في خانة النظريّات أو في خانة المُسَلَّمات.
اعترف أنّني، قبل هذه المرحلة، لم أكن لأسأل في موضوع الحقيقة وما ينطوي عليه من مفاهيم عميقة، نمرُّ عليها مرّ الكرام. لكنَّ اقتناعي اليوم بأنّ هناك حقيقة غائبة طُويت بين صفحات كتب التاريخ القديمة، وتلاشت في المجاز الذي تزخر به "الكتب المقدسّة" حتى صارت منيعة تحتمي خلف هذا الحاجز الذي نسمّيه بِـ "المقدّس"، هو ما دفعني إلى التدقيق في الأفكار قبل البحث في الأسفار.
فمن المفروض أن تكون الحقيقة هدفًا نَصبُو إليه جميعًا، ونبذُل جهدًا عقليًّا وحسّيًّا لتحقيقه. وهذا بالطبع يتطلّب بحثًا مُضنِيًا وشغفًا قويًّا ونيّة صادقة. فكلُّ الفرق يكمن بين المعرفة المتداولة وتلك التي يكتسبها الفرد بنفسه من خلال بحثه وتفكيره وتحليله، وكذلك ميوله وإحساسه. وسواء كانت معرفتنا فطريّة أو معرفة مكتسبة سوف تظلُّ نسبيّة مادامت مرتبطة بأمور غير محسوسة، واعتبارها حقيقة مطلقة يؤدّي بنا إلى التعصّب في الآراء، وإلى التطرّف في الانتماء والهويّة.
فمثلًا، ما الذي يعنيه لنا الوجود في الحقيقة؟ ماذا نعرف عن النشأة الأولى وعن بَدء الخليقة؟ ماذا نعرف عن الساعة وعن القيامة؟ لماذا نعتقد أنّها النهاية؟ لماذا لا تكون هي البداية؟ أو ربما هي نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة؟ وماذا نعرف عن الروح؟ هل هي موجودة حقًّا أم ليس لها وجود؟ من أين أتت وكيف تراها تعود؟ وهل من حياة بعد الموت أم أن وجودنا محدود؟ وما الذي يختفي خلف هذا الستار؟ هل هي حقًّا جنّة ونار؟ …
هي أسئلة كثيرة تتشابه، لا نسألها لسبب ما وكأنّنا نتحاشى أمرًا يُمكن حدوثه، فنستكين إلى معرفة جاهزة يتشاركها جلُّ المحيطين بنا ممّا يجعل تعلّقنا بها ظاهريًّا فقط دونما تأثير في السلوك والأفكار. فتحرّي الحقيقة هو ما يجعل معرفتنا تكتسي عُمقًا في الفهم ووُضوحًا في الرُّؤية، خصوصًا حين يكون الموضوع مرتبطًا بالأسئلة الوجوديّة، حتى وإن كان فهمنا مخالفًا لكلّ ما هو متعارف عليه. وهذا الوضوح في الرُّؤية يساعدنا بدوره على أن نحيا حياة متّزنة متّسقة وهادفة، ويجعلنا نتّصف بالشغف والتفاني والتضحية.
في لحظة من لحظات التأمّل والتفكير، تساءلت في أعماقي عن السبب الذي يجعل فئة من الناس، كانوا حينها قلَّة قليلة، تُخالف معتقدات قومها وتتّبع مِنهاجًا "جديدًا" تتنكّر له الأغلبيّة الساحقة. لم أجد جوابًا يُقنعني سوى أنّهم تحرّوا الحقيقة بنيّة صادقة. لأن اختيارهم هذا كان ثمنُه باهظًا بسبب ما تعرّضوا له من تشهير وتعذيب وقتل. فتحرّي الحقيقة هو الذي قاد الحواريّين إلى الإيمان بالسيّد المسيح في الوقت الذي أعرض عنه اليهود ولم تعترف به الروم، وتحرّي الحقيقة هو الذي هدى الصحابة الأجلّاء إلى النُّور المحمّدي بعد أن كذَّبه قومه وقالوا هل نترك ما كان يعبد آباؤنا الأوّلون. وتحرّي الحقيقة هو الذي جعل ابن رشد يقضي سنواته الأخيرة في السجون وتُنعت أفكاره بالكفر والجنون، وهو الذي جعل جاليليو يتحدى الكنيسة ليثبت للعالم أن الأرض هي التي تدور. فهؤلاء وغيرهم رسموا تاريخ الإنسانيّة جمعاء، لا لشيء سوى أنهم قرّروا أن يتحرّوا الحقيقة بأنفسهم ولا يتّبعوا مُسلّمات الأمور والشائع لدى الجمهور.
ولو نظرنا إلى عالمنا اليوم سنجد أنّ هناك من يعتقد بأنّه الوحيد الذي يعرف الله حقّ المعرفة فدِينُه هو الأكثر انتشارًا وقبولًا، وسنجد من يقول بأنّ دينه سماوي أمّا الأديان الأخرى فهي مُحرَّفةٌ كلماتُها أو أنّها وَضعِيّة من صُنع الإنسان، أما في الجهة المقابلة من هذا الكوكب فلا زال هناك أناس متمسّكون بمعتقدات قديمة ولا يهمّهم ما وصل إلى علمهم من حديث عن الله والروح القُدُس وعن النبوّات والرسالات المتعاقبة. كل هؤلاء وأولئك يعتقدون بأن معرفتهم هي الحقيقة ولا يحتاجون أبدًا إلى إثبات علمي أو بحث مُضنٍ، فقد نشأوا على فكرة الإيمان بالشيء والتسليم به حتى أصبح قناعة "مقدّسة" لا يجوز المساس بها بأيّ شكل من الأشكال.
فإذا كان كلُّ دِينٍ يقدّم لنا تصوّرًا وفهمًا معيّنًا للوجود والموت والحياة بعد الموت على أنّه حقيقة مطلقة، فأيّ دين وأيّ معتقد يا ترى يمتلك المعرفة الصحيحة؟ ألا يعدُّ هذا التصوّر مجرّد تفسير لما نطق به مؤسّسو الأديان، مع ما يحمله كلامهم من مَجازٍ وضربٍ للأمثال؟ ولولا الإيمان، ألا تصبح هذه المعرفة أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة؟ وحتى أهل العلم يقدّمون لنا النظريّة تلو النظريّة عن نشأة الكون وظهور الحياة على الأرض، وفي كل مرّة يصوّرون اكتشافهم على أنّه حقيقة لا تقبل الرفض. فكيف نفسّر، إذن، تمسُّك كل فئة برأيها ورُؤيتها باعتبارها حقيقة "علميّة" أو "مقدّسة"؟
إن هذا التعصّب القائم على أفكار موروثة واعتقادات غيبيّة لا يُسهم إلّا في إضرام نار الحقد والكراهية، واندلاع الحروب الدينيّة والطائفيّة. فلماذا نصرُّ على إقناع غيرنا بمثل ما نعتقد ونؤمن به، وإلا فهم خصومنا وأعداؤنا؟ ولماذا يصعب علينا تقبّل أيّ معتقد أو فكر مختلف؟ هل لأنّه يزعزع قناعاتنا أم هي مسألة سلطة وتحكم؟
أظنّ أنّه في هذا العصر لم يعد مقبولًا أن نصف الآخرين الذين لا يوافقون معتقدنا بالكفّار أو المشركين، فالناس أحرار في اختيار معتقدهم وما يؤمنون به خصوصًا وأنّ المفاهيم المرتبطة بالإيمان باتت أكثر تطوّرًا وعمقًا ونسبيّة. كما أنّ التطوّر في القِيَم والمبادئ، والتي صارت تكتسي طابعًا كونيًّا، يجعل أهل الأديان في حيرة من أمرهم بين مُسايرة الحاضر وبين الالتزام بما يؤمنون به من معتقدات قديمة. وهذا ما جعل الأصوات التي تنادي بإسقاط الدين من حياتنا في تصاعد مطّرد.
لكنّنا أدركنا كذلك أنّ كلّ ما لا نستطيع الإحاطة به في عالمنا المادّي هو غيب منيع لا يمكننا وصفه وتخيّله. فمن كان مثلًا ليتصوّر أن الأرض المنبسطة المترامية الأطراف هي في الحقيقة مستديرة ولا تُشكِّل إلّا مِثقال ذرّة في هذا الكون الفسيح؟! ومن كان ليؤمن بوجود كائنات مجهريّة تحيط بنا من كلّ جانب ولا نراها بأُمّ العين؟! ... فكيف لنا أن نحيط إذن بالأمور الروحانيّة التي لها علاقة بالخلق والروح والموت والحياة بعد الموت؟!
في الأخير، نحن بحاجة إلى الإيمان ما دام عقلنا قاصرًا عن إدراك هذا الغيب المنيع. فسواء آمنّا بالعلم ونظريّاته أو بالدين ومسلمّاته أو بهما معًا، ما يهمُّنا في نهاية الأمر هو الهدف من هذا الإيمان. المهمُّ هو أن يجعلنا إيماننا ندرك طبيعتنا البشريّة المحدودة، وهويّتنا الإنسانيّة الموحِّدة، ومصلحتنا المشتركة في عالم نتقاسم أرضه وسماءه.
وعلينا الاعتراف، أيضًا، بأنّ عالمنا اليوم بات يختلف كُلّيًّا عمّا ألفته البشريّة في سالف العصور والأزمنة. عالمنا اليوم أصبح يتكوّن من دول بحدود مرسومة وليس من امبراطوريات وأمم لا حدود لها كما عهدناه قديمًا. عالمنا أصبح مترابطًا وكأنّه قرية صغيرة ينتقل فيها الخبر في لمح البصر. إنّه عالَمٌ سكّانه يهاجرون ويندمجون، ولم يعد بالإمكان أن نميّز فيه لا قومًا ولا قبيلة.
لقد بدأت أقتنع بأنّ المعرفة الإنسانيّة هي مشروعٌ مفتوحٌ على المستقبل وأنّ الحقيقة المرتبطة بها تتكشّف لنا تدريجيًّا، لكنّ التعصّب في الآراء والأفكار ووجهات النظر المتعدّدة يجعل الوصول إلى رؤية موحّدة أمرًا صعب المنال. وبين المعرفة المستمدّة من الدِّين وتلك التي أتت بها العلوم الحديثة يوجد اليوم صراع يزيد من حدّة التوتّر ويقلّل من فرص الوصول إلى السلم والاتّحاد. فلا شيء يمنعنا من تحقيق الوحدة بين البشر أكثر من تعصّبنا هذا، وفهمنا الخاطئ لدور الدِّين والعلم على حدٍّ سواء. ولربّما نحن نسعى وراء الحقيقة نفسها، لكن بما أنّها أكبر من مجال رؤيتنا، فإنّ كل واحد منّا يراها من زاوية مختلفة. ألسنا بحاجة إذن إلى كلّ الرؤى الموجودة لكي تكتمل الصورة وتعكس الحقيقة التي غابت عن أعيننا كلَّ هذه القرون؟
كانت الأسئلة كثيرة والاستنتاجات محيّرة؛ فتساءلت حينها كيف نعيش وسط هذا الكمّ الهائل من المسلَّمات دون بحث وتحرٍّ؟ وكيف تصبح الأشياء التي تعوَّدنا على سماعها حقائق مطلقة لا تقبل الشكّ والسؤال، ولا تترك الباب مفتوحًا لأيّ احتمال؟ لكن السؤال في بعض المسلّمات أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر، وربما يكون له عواقب وخيمة. فهل أنا واثق من قدرتي على المُضيّ في رحلة مجهولة قد تكون ذهابًا بلا عودة؟ لم أكن متأكّدًا من شيء سوى شعوري بوجود قوّة ما تدفعني لأسلك هذا الطريق …
[1] هيجل، موسوعة العلوم الفلسفية.